، كانت السماء تبدو وكأنها تتهيّأ لحدثٍ عظيم، ونبينا محمدصلى الله عليه وسلم يمرّ بأوقاتٍ عصيبة بعد وفاة أحب الناس إلى قلبه؛ خديجة رضي الله عنها وعمه أبو طالب. وفي وسط هذا الحزن العميق، جاء جبريل عليه السلام، مشرقًا كأنه يحمل نور السماء، ليخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد أعدّ له رحلة استثنائية تُثلج صدره وتُعلي مقامه
أخذ جبريل النبي صلى الله عليه وسلم إلى المسجد الحرام، وهناك وجد دابةً عجيبة تُدعى البراق، بيضاء اللون، بلمعان يُشبه النجوم، خُصّصت لتحمل النبي في هذه الرحلة المباركة. ركب النبي البراق، وأمسك جبريل بركابه، وميكائيل بزمامه، وكأنهما يحفّانه بالرعاية الإلهية، ثم انطلقا بسرعة تفوق الخيال، حتى وصل النبي إلى المسجد الأقصى
عندما وطئت قدماه المباركتان المسجد الأقصى، وجد هناك جمعًا من الأنبياء ينتظرونه، وكأنهم يعدّون الأرض لاستقبال رسول الإنسانية. صلّى بهم إمامًا، ليجمع الله بين الرسالة الخاتمة والرسالات السابقة في هذا المكان المقدس
ثم بدأ النبي رحلة أخرى، رحلة إلى ما هو أبعد من الأرض. حمله جبريل عليه السلام عبر "المعراج"، سُلم سماوي عجيب يرتفع بالنبي درجةً بعد درجة. وفي كل سماء، كان يقابل نبيًا من أنبياء الله: آدم في السماء الأولى، عيسى ويحيى في الثانية، يوسف في الثالثة، إدريس في الرابعة، هارون في الخامسة، موسى في السادسة، وإبراهيم في السابعة. كان كل نبيّ يُحيّي النبي محمدًا صلى الله عليه وسلم، وكأنهم يهنئونه على هذا التشريف العظيم
وعندما وصل إلى سدرة المنتهى، رأى النبي ما لا يمكن لبشرٍ وصفه. رأى سدرة عظيمة أوراقها كآذان الفيلة، وثمرها كالقلال الكبيرة، ومن تحتها تجري أنهار الجنة. وهناك تلقى النبي أعظم هدية للأمه
الصلاة، خمس صلوات يومية كفيلة بأن تكون نورًا للمؤمنين، تربطهم بربهم في كل حين
بعد عودته إلى مكة، أخبر النبي قريشًا بما حدث، فتردّد الناس بين التصديق والإنكار. لكن أبا بكر الصديق رضي الله عنه قال كلمته التي خلدها التاريخ
"إن كان قد قال فقد صدق". كانت هذه الرحلة محطةً لتعزيز الإيمان واليقين، وتذكيرًا بأن قدرة الله بلا حدود.
وفي هذه الذكرى العظيمة، نتأمل كيف أن الله سبحانه أكرم نبيه برحلةٍ ملأتها الدروس والعبر، ليُثبت أن المؤمن إذا تمسك بإيمانه، فإنه مهما اشتدت عليه المصاعب، سيأتيه الفرج والعطاء الإلهي الذي يليق بكرم الله وعظمته.